عرض مشاركة واحدة
قديم 07-02-2017, 19:52   رقم المشاركة : 6
الإدريسي






الإدريسي غير متواجد حالياً

الإدريسي has a brilliant future


افتراضي رد: الشيطان عبر الأديان القديمة والحديثة

ولا أدل على سلطان الشيطان على بني البشر من قدرته على التلاعب بعقول أنبياء الله أنفسهم، والتشويش على عملية الوحي، وذلك بأن يزرع في قلوبهم آيات شيطانية تبدو لهم للوهلة الأولى آتية من الرحمن. وهذا هو مؤدى قوله تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ# لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ#» (22 الحج: 52-53). ومن أقوال بعض المفسرين في أسباب نزول هذه الآيات من سورة الحج، ومنهم الطبري، نورد الملخص التالي:

ورد في خبر حديث الغرانيق أن الرسول تمنى في نفسه أن ينزل عليه من الوحي ما يُقرب بينه وبين قومه المشركين في مكة، ويحبب إليهم الإيمان. وكان ذات يوم جالساً في ناد من أنديتهم وقد نزلت عليه سورة والنجم إذا هوى، فأخذ يقرؤها عليهم حتى إذا بلغ قوله: «أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى# وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى#» وكان تمنيه لا يزال عالقاً في نفسه، فأجرى الشيطان على لسانه: "تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترجى". ومضى الرسول يقرأ حتى أتم السورة ثم سجد وسجد معه المسلمون وكذلك المشركون من قريش، ثم تفرق الناس وخرجت قريش مسرورة بما ذكر محمد عن آلهتهم أحسن الذكر. وقد بلغ خبر السجدة من بأرض الحبشة من المهاجرين، وقيل لهم قد أسلمت قريش، فهمَّ بعضهم بالرجوع وتريث آخرون. ثم إن جبريل أتى إلى النبي وقال: ما صنعت يا محمد؟ لقد تلوت على الناس ما لم آتك به، فجزع الرسول، ولكن الله كان به رحيماً، وأنزل عليه ما نسخ الذي أجراه الشيطان على لسانه: «أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى#وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى# أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى# تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى# إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ....#» (53 النجم: 19-23).

وعلى الرغم من عصيان الشيطان وتنفيذه للعهد الذي قطعه على نفسه بمقاومة أعمال الرحمن، ومِن وصفِه بالكفر في بعض الآيات: «....وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً» (17 الإسراء: 27)،إلا أنه يبدو في بعض الأحيان، وكما هو الحال في النص التوراتي، خاضعاً للرحمن يأتمر بأمره متى يشاء: «وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ# وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ#» (43 الزخرف: 36-37). «أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً# فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً#» (19 مريم: 83-84). وبعد أن وُصف الشيطان بالكفر في المقتبس السابق من سورة الإسراء، نجده يعلن إيمانه في سورة الحشر: «كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ» (59 الحشر: 16). وهو يتوعد المشركين، بدلاً عن الله، بالعذاب الأليم: «وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ.... مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم» (14 إبراهيم: 22).

وكما هو الحال في الروايات التوراتية، فإن البشر موزعون بين فريقين هم أهل اليمين الواقعون تحت سلطة الرحمن فهو وليهم، وأهل الشمال الواقعون تحت سلطة الشيطان فهو وليهم: «اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ....» (2 البقرة: 257). «فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» (16 النحل: 63). «وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ# فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ# وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ# وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ# وَمَاء مَّسْكُوبٍ#» (56 الواقعة: 27-31) «وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ# فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ# وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ# لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ#» (56 الواقعة: 41-44). ومن الجدير بالذكر أن الإنجيل أيضاً قد أتى على ذكر أهل اليمين وأهل الشمال، وذلك في قول يسوع عن عودته في اليوم الأخير: "ومتى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه، فحينئذٍ يجلس على كرسي مجده ويجتمع أمامه جميع الشعوب، فيميز بعضهم عن بعض كما يميز الراعي الخراف من الجداء، فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن اليسار. ثم يقول الملك للذين عن يمينه: تعالوا يا مباركي أبي رِثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم... ثم يقول أيضاً للذين على اليسار: اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المُعدة لإبليس وملائكته. فيمضي هؤلاء إلى عذاب أبدي، والأبرار إلى حياة أبدية" (إنجيل متى 25: 31-46).

أما عن مصير إبليس عند اختتام تاريخ العالم، فلا نمتلك إلا إشارات عابرة تدل على أن مآله هو وأتباعه إلى النار الأبدية. من ذلك ما ورد من المقتبس السابق من سورة الأعراف: «لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ». وفي المقتبس من سورة الشعراء: «فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ# وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ








رد مع اقتباس